بين الحقيقة والابتزاز... مياه تنّورين في عيون اللبنانيين
بقلم: سمير خداج – قناة 23
في بلدٍ يلهث وراء لقمة عيشه وقطرة مائه، صار اللبناني لا يعرف ماذا يصدق بعد الآن.
الهواء ملوّث، النهر مريض، البحر مسموم، والآن حتى الماء المعبّأ الذي يشربه صار متَّهَمًا بالتلوّث.
قبل أيام، تحوّل اسم مياه تنّورين — الذي كان رمزًا للنقاء والجبل — إلى محور حملة تشهير وضجّة إعلامية كبيرة.
وزارة الصحة قالت إن بعض العينات غير مطابقة للمواصفات، وإن فيها بكتيريا تُدعى Pseudomonas aeruginosa، وهي بكتيريا لا تُرى بالعين، لكن يكفي ذكرها حتى يشعر الناس بالخوف.
الناس بدأوا يسألون:
هل فعلاً المياه ملوّثة؟ أم أن هناك من يريد ابتزاز الشركة وتشويه سمعتها لمصالح تجارية أو سياسية؟
شركة تنّورين ردّت بسرعة. قالت إنها تُجري فحوصًا يومية ودورية، وإن نتائجها كلها مطابقة للمواصفات اللبنانية والعالمية.
وأضافت أنها تضع صحة الناس فوق كل اعتبار، وأنها لا تقبل أن يُشوه اسمها بعد 40 سنة من الثقة.
لكن وسط هذا السجال، بقي المواطن اللبناني هو الحلقة الأضعف.
يشرب الماء ويخاف.
يشتري القنينة ليتفادى مياه الدولة الملوّثة، فيكتشف أن القنينة نفسها باتت مشبوهة.
وهكذا، تتحوّل المشكلة من تلوّث مياه إلى تلوّث ثقة.
فليس كل من نشر الخبر كان يبحث عن الحقيقة.
بعض المنابر تعاملت مع القضية كفرصة "ترند" لجذب المشاهدات، وبعض الحسابات على وسائل التواصل استعملت القصة كأداة للابتزاز أو لتصفية حسابات بين الشركات.
في بلد يعيش على الإشاعة، يكفي أن تكتب “تحذير من مياه تنّورين” لتبدأ موجة هلع، بينما لا أحد يسأل:
من أخذ العينة؟ من حلّلها؟ وهل كانت النتيجة مؤكدة أم مجرد اشتباه؟
اللبناني اليوم يعيش بلا كهرباء، بلا طبابة، بلا دولة، والآن يخاف حتى من الماء الذي يشربه.
صار يعيش في بلدٍ كل ما فيه مهدّد:
من الخبز إلى الدواء إلى قطرة الماء.
ومع كل ذلك، لا أحد يُصارحه بالحقيقة.
لا الدولة تنشر نتائج الفحوص بشفافية، ولا الشركات تشرح للناس ما يجري، ولا الإعلام يتصرّف بمسؤولية.
لسنا ضد وزارة الصحة ولا ضد شركة تنّورين.
نحن مع الحقّ، ومع الوضوح.
إن كانت المياه ملوّثة، فليُعلن ذلك بالأرقام والتواريخ.
وإن كانت الحملة مفتعلة، فليُكشف من يقف وراءها.
الماء ليس سلعة. الماء حياة.
ومن حقّ الناس أن يعرفوا الحقيقة الكاملة — بلا تهويل، بلا ابتزاز، بلا تلاعب بالعقول.
القضية ليست زجاجة مياه، بل زجاجة ثقة انكسرت بين المواطن والدولة، وبين المستهلك والإنتاج الوطني.
حماية صحة الناس لا تكون بالتشهير ولا بالسكوت، بل بالمحاسبة العادلة والشفافية.
اللبناني يستحق أن يشرب ماءً نظيفًا، وأن يسمع كلمة صادقة.
فكفى استغلالًا للمخاوف... وكفى ابتزازًا باسم "النقاء".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|